مقالات الرأي

“مصطفى النعيمي” يكتب لـ”داماس بوست”

الخطر الإيراني جنوبي سوريا... بين الفراغ الروسي وتغير قواعد الاشتباك

يتمثل الخطر الحقيقي من الفراغ الذي تركته روسيا في المناطق التي كانت تشهد وجودًا في سوريا، لا سيما المنطقة الجنوبية والتي تتمثل بالعاصمة السورية دمشق، إضافة إلى ريفها وصولًا إلى القنيطرة ومنها إلى درعا مرورًا بالسويداء، المنطقة الجنوبية من سوريا تتمثل بثقل استراتيجي هام نظرًا لما تتمتع به من أهمية لوجود العاصمة فيها إضافة إلى الدول الإقليمية التي تحيط بها، كذلك شبكة الطرق الدولية التي باتت مسيطرًا عليها بشكل كامل من قبل قوات النظام السوري، والتي بدورها كنتيجة حتمية تعتبر ضمن السيطرة الإيرانية والميلشيات الولائية متعددة الجنسيات، هذا على صعيد تموضع الميلشيات في المناطق المتداخلة بالجنوب السوري وما تشكله من أهمية تزيد من تعقيد المشهد السوري برمته.

على الجانب الأردني، تتمثل خشية عمان من تزايد سيطرة ميليشيا الفرقة الرابعة، وبالتحديد مجموعة “الغيث” التي يقودها  العميد “غياث دلة” التابع للفرقة الرابعة، والتي تمثل الغطاء الشرعي للتحركات الميليشياوية في الجنوب السوري عمومًا وتحديدًا من العاصمة دمشق وصولًا إلى محافظة القنيطرة، ونطاق السيطرة التي باتت تتحكم بها ميليشيا الغيث، وهناك معلومات تشير إلى أن هنالك تنافس كبير ما بين ميليشيا الغيث وميلشيا حزب الله اللبناني رغم تبعية “الدلة” لحزب الله لكن على ما يبدو  ميليشيا الحزب ترغب بأن تدير تجارة اقتصاد الظل والمتمثل بالمخدرات لإيصالها إلى دول الجوار عبر المنطقة الجنوبية وهذا مما حذر منه الملك الأردني عبدالله الثاني عبر خطاباته الرسمية في الآونة الأخيرة.

تغير قواعد الاشتباك

أعلن قائد المنطقة الشرقية في الأردن العميد الركن نجي عبدالجليل المناصير، أن قواعد الاشتباك المعمول بها في القوات المسلحة يجعل الجيش “يضرب بيد من حديد لقتل كل من تسول له نفسه الاقتراب من حدود الأردن”، وتغير قواعد الاشتباك اليوم يتيح للجيش الأردني عمليات اعتراض ومهاجمة المهربين على الشريط الحدودي السوري وحتى داخل الأراضي السورية وجاهزية الجيش باتت في أعلى درجاته ليصل المهربين على الشريط الحدودي.

وتعمل الميليشيات الولائية بكافة مكوناتها على الاعتماد ـ بالدرجة الأولى ـ على تهريب المخدرات وذلك لتمويل تحركاته في الجغرافيا التي تسيطر عليها مرورا بالعراق ومنها إلى سوريا وصولًا إلى لبنان، وتأمين الطرق الدولية يسمح للميليشيات التحرك بشكل كبير، مع منحهم الغطاء الشرعي لتموضعهم في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، وذلك من خلال هيمنتهم شبه الكاملة على المؤسسات العسكرية في العراق، فهيئة الحشد الشعبي لديها قدرات تفوق مقدرات الجيش العراقي، وفي سوريا الفرقة الرابعة تتمتع بقدرات تفوق مقدرات قوات النظام، وكذلك في لبنان تمتلك ميليشيا حزب الله اليوم قدرات عسكرية تفوق قدرات الجيش اللبناني أيضًا، وبذلك تستطيع تلك الميلشيات تأمين خطوط تهريب المخدرات وهذه التجارة باتت تمنحهم قدرة الولوج إلى العملة الصعبة “الدولار” أو ما يطلق عليه اليوم اقتصاد الظل، وهو بعيد عن عين الرقابة الدولية ولا يخضع لعمليات التحويل البنكية لذلك تحرص قيادة طهران على الحفاظ المستميت على الأذرع الولائية من أجل تخفيف الأعباء الاقتصادية المتمثلة في تمويل عملياتهم العدائية، وبذلك تكون تلك الميليشيات قد حققت نوع من الاكتفاء الذاتي وتمول عناصرها عبر التجارة المحرمة دوليًا بعيدًا عن أي مراقبة أو تحويلات بنكية، خاصة بعد العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على كيانات وأشخاص تدعم الميليشيات التي باتت تشكل خطرًاكبيرًا على الأمن والسلم الأهلي في المنطقة العربية، وكذلك خطوط الملاحة البحرية النفطية، وتداعيات العوز الكبير جراء الفراغ الكبير الذي سببه الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لذلك شكل حلف بحري لمراقبة نشاط ميليشيا الحرس الثوري التي تنشط في مياه الخليج العربي ومنها إلى بحر العرب وإلى البحر الأحمر وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن أرى بأن بمقدور هذا التحالف البحري إنهاء عمليات تهريب النفط الإيراني المقدم لدعم ميليشيات النظام السوري إن كان لديها الجدية في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة العربية لكن ترك الباب مفتوحًا لعمليات تهريب النفط باتت ترهق كاهل المواطن العربي وتمثل خرقا واضحا للعقوبات التي فرضت على النظامين السوري والإيراني.

ملء الفراغ الروسي

بات واضحا أن روسيا ليس لديها القدرة على مسك الأرض والسيطرة عليها وفقًا لما تدعيه عبر خطابها الرسمي، فمنذ صيف 2018 وما آلت إليه المنطقة الجنوبية بعد إخراج فصائل المعارضة السورية، والتعهد الروسي بمسك الأرض والاتفاقيات التي أبرمت ما بين الفصائل والقوات الروسية لم تنفذ مطلقا، فبعد إعلان روسيا الانتهاء من نقل المقاتلين إلى الشمال السوري ما لبثت أن أجرت بعض الدوريات في المنطقة الجنوبية ومن ثم دخلت قوات النظام السوري والتي مثلت الغطاء الشرعي لتغلغل الميليشيات الإيرانية في المنطقة وما تبعتها من عمليات

تصفيات كبيرة بحق المدنيين العزل ومن ثم تموضع الميليشيات الولائية التابعة لمشروع إيران في المنطقة الجنوبية مما أضطر الجانب الأمريكي إلى رعاية اتفاقية لمدراء الأمن القومي لكل من روسيا وإسرائيل وتعهد الجانب الروسي في أواخر عام 2018 على إبعاد الميليشيات التابعة لإيران مسافة 50 كم عن الحدود الجنوبية لكن لم تفِ روسيا بتعهداتها وشهدنا تموضع كبير في محافظات القنيطرة ودرعا.

وهذا مثل خطرًا كبيرًا على المنطقة العربية نظرًا لما يمثله من تحشيد للمقاتلين في هذه المنطقة، وما سيتبعه من عمليات عسكرية ستؤدي إلى حملات نزوح جديدة وعمليات تهجير ديموغرافية برعاية روسية بحق الشعب السوري، والمخاطر الكبيرة من التموضع في المنطقة وماألحقته من خسائر وأضرار كبيرة في البنية التحتية إثر العمل المنفرد لسلاح الجو الإسرائيلي، وذلك من خلال اتباع سياسة “جز العشب” والتي أثبتت عدم نجاعتها مع الميليشيات، مما اضطرهم إلى تغيير التكتيك وذلك بتنفيذ عمليات جراحية تستهدف قيادات ميدانية تتمترس في نقاط سيطرة النظام السوري، مما دفع الميليشيات إلى رفع أعلام النظام السوري والتغلغل في مؤسسات النظام الخدمية والعسكرية واستخدام المدنيين كدروع بشرية تجنبا للضربات الإسرائيلية، لكن حتى هذا التكتيك لم يمنع من إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الميليشيات فقتل العديد من جنرالات إيران التابعين للحرس الثوري الإيراني في استهدافات متنوعة سواء في محيط مطار دمشق الدولي أو حتى مراكز الاجتماعات التي كانت تشرف على برامج المسيرات والصواريخ الباليستية وعمليات تهريبها عبر الطرق البرية والجوية وتجميعها واستخدام قوات نقاط سيطرة النظام كمضدات أمنية متقدمة تمارس من خلالها رفع وتيرة التهديدات لما يخص ملف المفاوضات النووية، إضافة إلى حرب الظل بالوكالة التي تقودها إسرائيل في استهداف المشاركين في البرامج الصاروخية والنووية والمسيرات في عمق طهران كان من أبرز الذين تم قتلهم خبير البرنامج النووي محسن فخري زاده،  وتبعه حسن صياد خدائي، إضافة الى بعض المهندسين المختصين في تصنيع محركات الطائرات المسيرة، مما شكل تصدعات كبيرة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية؛ أدت إلى قتل العديد من الضباط إضافة الى تغيرات كبيرة في جهاز الاستخبارت الإيراني والحرس الثوري، وهذا مثل تكتيك مرعب للميليشيات الإيرانية وباتت مكشوفة لكل الخصوم، وباتت ملاحقتها أقل كلفة في ظل تعثر قدرتها على التحرك بوجود الضربات الجوية واستهداف شحنات الأسلحة وصولًا إلى تعطيل مطار دمشق الدولي بشكل كامل لأكثر من أسبوعين، والتهديدات التي تبعت إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة، حيث أعلن الجانب الإسرائيلي بأنه في حال بقاء النظام السوري متسترًا على إدخال الصواريخ والمسيرات للميليشيات الإيرانية بأنه سيكون الهدف القادم وهذا مثل تغيرا كبيرا في طبيعة صراع الظل بين إسرائيل وإيران.

#داماس_بوست

مصطفى النعيمي

كاتب سوري ومحلل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى